****(خواطر شعرية)****
من طبيعة الشعر أن يتجاوز قوانين الكون, وأن يتعدى حدود النفس, والعودة إلى الوراء تغنيه بالتصورات الجديدة فيحتل آفاقا شاسعة.
والشعر لا قيمة له أن لم تطف به ارتعاشات الروح ليدخل إلى لغز الوجود ودائماً يبذل الشاعر جهده الجبار لإصلاح
العالم الراهن من خلال مادته الشعرية وذلك بشكل جديد خلاق.
وكما قال بودلير: (لايسعنا أن نبلغ السماء دفعة واحدة) لكن يتأتى لنا ذلك بالكثير من الصدق والزهد والتنسك, وما يشدنا في الشعر الوحدة والتناسق الذي يتم بين الإنسان والإنسان, والإنسان والطبيعة (الكون المطلق).
في مجموعته خواطر شعرية للشاعر داؤود اسماعيل شدتني بداية الروح المنسابة على مدى المجموعة وعبرت عن خلجاتها بصدق وبساطة ووفق الشاعر بلغته السهلة العاشقة:
إني عشقتك يا ليلى ولي أمل
وليس يخدعني في وصلك الأمل
جننت بالحسن همت في وله
والعاشقون بفعل الحب ما عقلوا
ويبدو جلياً أن الشاعر عاشق (متيم) مما جعله يطلب الوصال دائماً والحبيبة تعده بالوصل وإن لم يلتقيا يظل عاشقاً وهذا دليل عشقه العفيف وكما اشتهر به (الحب العذري) الروحاني الشريف.
يظل يكتم حبه حارقاً قلبه بجمرته الخالدة لأن الحب هو الوحيد القادر على إعطائه الأمل ويبعد عنه الوهن: ليبقى ثملاً بخمرته الرائعة
فارقتها وفؤادي لا يطاوعني
كأنني محتسٍ من خمرها ثملُ
عهداً على الحب ما بيني وفاتنتي
ألا تخون ومهما ضاقت السبل
لبيك يا حب ما شئ بلا أجل
إلاك يبعد عنك الوهن والوجل
ويكثر الشاعر من الحب الوصفي, يصف المحبوبة بكل دقة وتفاصيل, فمن الوجه النضير إلى الشعر الفاحم, إلى القد المائس وبنفس الوقت تسكن هي في أعماق روحه الملتاعة فهو عاشق أبدي, بل عشاق العرب جميعاً, فهو جميل, ومرة قيس, وثالثة كثير و..
ألا يا هند عودي غازلينا
ولا تملي وداد العاشقينا
صبرنا في الهوى صبراً جميلاً
وما كنا عليه بقادرينا
فبحنا في هواك وما خشينا
ولم نعبأ بقول العاذلينا
والعشق لدى الشاعر تعانق روحين في فضاء سام, وهو أسباب نقاء الإنسان وصفائه, فلماذا الحزن والموت كمداً طالما أن اللقاء يتم عبر الأرواح..
ومن شهد المحبة قد جبلنا
فلولاه لما كنا حكينا
كأن الطيف مرآة لدينا
وما كنا سواها ناظرينا
ولا ينسى الشاعر الجمال العام (جمال الكون) لأن الجمال واحد في كل زمان ومكان فالله جميل ويحب الجمال, خلقه بتناسق ودقة عبر الكون..
أما رأيت سماء في العلى ارتفعت
تزينها الشمس والنجمات والقمر
بنعمة الله هذا الكون منغمر
كل إليه مدى الأزمان مفتقر
حتى الفراشات ألواناً منوعة
تقبل الزهر نشوى وهي تنتشر
ويظل المحرض العام للشاعر الحب عبر صفحات المجموعة ينطلق من الخاص إلى العام (حب الوجود) وفي ذلك سعة للروح وقلب خفاق.. ليعلن أن الحب ماء الوجود فيقول:
وجدتك وردة بين الورود
وقلبي النبع فابتدري ورودي
فلولا الماء ما في الكون حي
وإن الحب ماء في الوجود
وموضوعة الشاعر (الحب) فيبدو حباً من طرف واحد لأن المحبوبة تصده وتجافيه وهو يحتمل الهجر والفراق, ليقسم دائماً على اللقاء ويظل حبه الداء الذي لا بد منه, فيغدو حائراً شارداً باكياً يذوبه الحزن والنار تحرق قلبه فيتساءل بقهر:
ما كان أقساها وأقسى قلبها
أفلا تحن إلي ثم ترجع
عانيت منها كل سقم مزمن
ودواء مجروح الهوى لا ينفع
وهذا الحب الجارف دفع بالشاعر ليكتب ويجيد بالمعشوقة مصدر الهامه تمطره بحسنها فيسيل لعاب قلمه على انحناءات جسدها البض, وهي معشوقة عارمة وعامة فهي هند وليلى وعبلة وهيفاء, فكأنه يتمثل فيها شعراء العرب ومجانينهم , فيغدو واحداً منهم:
ألا يا هند عودي غازلينا
ولا تسلي وداد العاشقينا
غرام يا سليمى ليس سهلاً
ولكني سأصبر كي تعودي